الأحد، 14 أغسطس 2016

لهيب الصحراء و جليد الوادي




في البداية توضيح واجب لعنوان التدوينة و لكي لا أُتهم بالابتذال فالكلمتان "خشّة" و "شخّة" عربيتان فصيحتان و لا غُبار عليهما و لكن تستخدم كلمة "شخّة" في اللهجة العامية لبيان تفاهة وحقارة شخص ما و أنه بلا قيمة و لا نفع, فيقال "الواد ده شخّة" بمعني أنه "مبيعرفش يعمل حاجة" أو أنه بلا قيمة و هذا هو أنسب توصيف لمن يحكمون مصر أو سيحكمونها فما هم إلا "شخّات" تافهون بلا أي قيمة أو وزن.

أصدرت ولاية سيناء فيديو مُعنّون بـ"لهيب الصحراء" وفي بعض مقاطعة تشعر بأنك أمام أحد إصدارات "صليل الصوارم" من تفجير مدرعات و كاسحات ألغام و قنص و هروب لفئران الجيش المصري . الإصدار -كالعادة- يُعاني من بعض العيوب لعل منها أنك لم تسمع ما الذي يقوله أحد جنود الولاية حين تنفيذه حُكم الإعدام في النقيب والمجند اللذين أسرتهما. وتم اختزال مشهد الإعدام منذ رؤيتنا لوجوههم العكرة حتى إعدامهم بالرصاص -وهذا أحد العيوب- في أقل من دقيقة. مع أنه من المُفترض ان يكون هذا هو "الفينالي" الخاص بالإصدار والذي يُلخّص النتيجة الحتمية لأتباع وجنود وشرطة النظام المصري لكنه -للآسف- خرج بمثل تلك الركاكة.

مُنذ بيعة ولاية سيناء (1) (أنصار بيت المقدس سابقاً) للدولة الإسلامية في أواخر 2014 رأينا تغيراً كبيراً في قُدراتها وفكرها العسكري وأصبحت القوة الوحيدة التي تُمثل تهديد وجودياً للنظام المصري ومع استمرارها في بناء قوتها ونضوج استراتيجيتها ستكون القوة التي ستهدمه. فقد قامت بضربات موجعة كانت في بعض الأحيان قاب قوسين من إحداث انهيار كامل في صفوف الجيش المصري في الشمال الشرقي لسيناء.

كما قامت الولاية بعدة عمليات-على استحياء- في قلب القاهرة منها استهداف القُنصلية الإيطالية وقتل ضباط شرطة ومجندين أو حتى عملية قتل لضباط ومجندي حرس الحدود في الوادي الجديد. لكن تلك العمليات -على أهميتها - لكنها يبدو انه تُعاني من نفس الخلل الذي تعاني منه عملياتها في سيناء وهو التركيز على فكرة "الاستنزاف". وهو أنك تقتل مثلا عشر جنود وتفجر مدرعتين يوميا ومع الوقت سُيستنزف عدوك فتنهار قواته وتصبح هزيمته سهلة. هذه "الاستراتيجية" وإن كانت ممكنة بين جيوش متكافئة فإنها تكاد تكون مُستحيلة بين مجموعات صغيرة مُقاتلة وبين جيش كامل وخصوصاً إذا كان هناك "جيوش" تُساعد هذا الجيش استخباراتياً وعسكرياً.

فأولاً: على الجانب البشري النظام المصري ليس عنده أكثر من الجنود وهم كما يُقال "أكتر من الهم على القلب" فيستطيع النظام أن يُضحي بمن يشاء وليس هذا فقط بل وسيُتاجر بهم باعتبارهم "شهداء" وسيصور الجيش علي انه يُقدم "فلذات أكباده" للدفاع عن الوطن وحماية مواطنيه. فخسائره البشرية لا تُمثل أي استنزاف لقُدراته بل على العكس فأنت تُسدي له خدمة فغالبية القتلى من المُجندين الذين بلا قيمة ولا ميزة فلا هم لديهم خبرة عسكرية يحتاجها النظام ولا هم بعد أن يقضوا مُدتهم في التجنيد الإجباري لديهم أي ميزة أو خبرة نافعة في المجتمع بل على العكس هم فقط "أفواه" مفتوحة تريد أن تأكل وتشرب وتريد وظيفة ومسكن. وفي مثل هذا الوضع الاقتصادي المزرى فأنت تُخلصه من عبئ ثقيل و" ياريت بدل أن تقتلوا ألف فلتقتلوا مئة ألف" ويكون النظام لكم من الشاكرين. هذا لا يعني أن النظام مُستمتع بقتل جنوده ولكن العبرة في النهاية هي حساب المكاسب والخسائر فإن كان قتل 1000 مُجند بلا قيمة في مُقابل قتل 10 مُقاتلين من الولاية فالنظام -مع الوقت- هو الفائز.

على صعيد الآليات والمعدات وإن كانت خسائره تكون أكثر إيلاماً ووجعاً إلا أنه في النهاية هناك -دائماً- من يدفع فاتورته العسكرية فطالما أنه يحمي إسرائيل ويقدم فروض الولاء والطاعة لمُحركيه فلن يجد صعوبة في تعويض ما يخسره من مُعدات وآليات. فكرة الاستنزاف تكون فعّالة حينما تُحدد بدقة ما هي أعصاب وشرايين النظام ثم تستهدفها بلا هوادة أو رحمة هنا تكون كل ضربة هي خطوة للإمام وليس مُجرد "أرقام" تضعها في منشور لعملياتك التي قمت بها.

النظام المصري ناجح إلي الآن في جعل بؤرة العمليات في رُقعة محدودة جداً في منطقة بعيده عن شبكة مصالحه وفي مناطق يستطيع فيها أن يقصف -بأريحية- دون أن يعترض أحد على ما يفعله. فمُعظم عمليات الولاية التي تمت خارج تلك البؤرة لم تكن لا بالحجم ولا بالتهديد الكافي التي تستطيع أن تُمثل تهديداً لا لمصالحه ولا لمصالح مؤيديه. بل وحتى عانت تلك العمليات من عدم وضوح للرؤية فمثلاً عملية القُنصلية الإيطالية تمت في وقت لم يكن فيه "صريخ ابن يومين" ولم تُسفر عن أي شيء اللهم تهدم جدار وبعض من واجهة القنصلية. وأوصت الدولة الإسلامية في مصر " المسلمين بالابتعاد عن هذه الأوكار الأمنية لأنها أهداف مشروعة لضربات المجاهدين ". ومن المعلوم أن هؤلاء "المسلمين" هم من أشد مؤيدي النظام وجيشه. ثم يبتعدوا "يروحوا فين يعني مش فاهم". وعلى ما أتذكر أنى كتبت يومها انه توفيراً للوقت والمجهود على الولاية حينما تُريد القيام بعملية "خارج البؤرة" التي تعمل فيها وحرصاً وخوفاً على "المسلمين" أن تكتب الولاية يافطة طويلة عريضة والأفضل أن تكون في مكان مهجور وتُصورها وتنشرها على الإنترنت وتكتب عليها: "كُنا سنقوم بتفجير في المكان الفلاني ولكن حرصا على المسلمين لم نقم بها ......بوووم بوووم". نقلك لعملياتك داخل الوادي سيستلزم بالضرورة أن تكون تلك النقطة واضحة وأنه سيسقط من ليس له علاقة مباشرة مع النظام هذا متوقع أما أنك لا تقوم بعمليات بدعوي وجود "مُسلمين" فهذا الحقيقة تناقض لا أعرف تفسيره.

ورغم وجود "جالية" مسيحية ضخمة تتجاوز العشرة ملايين في مصر إلا أنه وإلى الآن لم يتم استهداف لا كنائسهم ولا رجال أعمالهم ولا مصالحهم. مع أن تلك الأهداف أسهل بكثير ومنتشرة في طول البلاد وعرضها ومن شأن تلك العمليات ان تُزيد من الاحتقان الطائفي وتعمل على إحراج النظام بما ان غير قادر علي حماية الأقليات الدينية. فإذا استطعت أن "تُشعل حرباً طائفية" فتكون حققت ما لو بذلت سنوات من استهداف الجيش وآلياته لن تُحققه. فالنظام المصري هو "بروكسي" للقوي التي تُحركه ووجود النظام رهن بضمان مجموعة من الأشياء أولها طبعاً أمن إسرائيل وثانيها ضمان حُرية الملاحة في قناة السويس ثم المُحافظة على الأوضاع الداخلية في حدود مُستقرة. فإذا فشل النظام في إحداها ستري تلك القوي تعمل على عملية إحلال وإبدال في بنية النظام لضمان مصالحها ومصالح أصدقائها.

عملية واحدة لم تُكلفك أكثر من علبة "شويبس" استطعت أن تقضي على اي أمل في عودة السياحة لسنوات قادمة. النظام الآن في وضع حرج اقتصاديا هو "يشتري الوقت" لكي يستطيع ان يُحكم سيطرته على مقاليد الأمور فيسعي لإصلاحات اقتصادية يعلم أنها لن تمر بلا منغصات وأن فُرص نجاحها من الأصل ضعيفة لكنه يُراهن على الوقت إن أي تحرك الآن من شأنه أن يهدم ما تبقي لديه من أمل في أن تكون "مصر أد الدنيا". النظام المصري كاد أن يستنفذ كل ما لديه من حيل وخدع ولم يتبقى لديه في حال فشل "الإصلاحات" إلا أن يُعيد اللعبة القديمة من فصلها الأول "الجيش يستلم السلطة" من "الرئيس الفاشل" لكي يجعل مصر "أد الدنيا" وستجد شعبه العبيط يملئ الميدان مُرددا "الجيش والشعب إيد واحدة".

النظام "جُرحه" مكشوف للجميع ما عليك إلا أن تنكأه بلا رحمة ولا تسمح له بالالتئام. الأمر لا يتطلب أكثر من أن تُحدد أهدافك بدقة ولا تنجر في حرب استنزاف أنت الخاسر فيها.
==========================================================================================
(1) كلامي هنا مُنصب بشكل رئيسي عن ولاية سيناء فلا أعلم طبيعة العلاقة التنظيمية بين المجموعات التي تتحرك داخل القاهرة أو خارجها وبين الولاية. فمن غير المعروف إذا كانت تلك المجموعات تابعة بشكل مباشر للولاية أم لا. لكن في كل الأحوال لابد أن يكون هناك تنسيق بشكل ما بين تلك المجموعات والولاية باعتبار الولاية هي الفرع الأكثر عدداً وتسليحاً وخبرة وبالتالي فأعتبر الولاية هي العقل المُفكر لمسرح العمليات في مصر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

..إنْ أردتَ أنْ تكتب تعليقاً مُفيداً ففكّر ثلاث مرات، مرة قبل كتابته ومرتين قبل أن تضغط زر إرسال